ولما ذكر دخورهم، تلاه بدخور ما هو أعظم منهم خلقاً، وأهول أمراً، فقال : عاطفاً على ناصب الظرف مما تقديره : كانت أمور محلولة، معبراً بالمضارع لأن ذلك وإن شارك الفزع في التحقق قد فارقه في الحدوث والتجدد شيئاً فشيئاً :﴿وترى الجبال﴾ أي عند القيام من القبور، والخطاب إما للنبي ـ ﷺ ـ ليدل ذلك - لكونه ـ ﷺ ـ أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة - على عظم الأمر، وإما لكل أحد لأن الكل صاروا بعد قيامهم أهلاً للخطاب بعد غيبتهم في التراب ﴿تحسبها جامدة﴾ أي قائمة ثابته في مكانها لا تتحرك، لأن كل كبير متباعد الأقطار لا يدرك مشيته إلا تخرصاً ﴿وهي تمر﴾ أي تسير حتى تكون كالعهن المنفوش فينسفها الله فتقع حيث شاء كأنها الهباء المنثور، فتستوي الأرض كلها بحيث لا يكون فيها عوج، وأشار إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله :﴿مر السحاب﴾ أي مراً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا طبق الجو لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإن لم تنكشف الشمس بلا لبس، وكذا كل كبير الجرم أو كثير العد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه بكثرته البصر، يكون سائراً، والناظر الحاذق يظنه واقفاً.
ولما كان ذلك أمراً هائلاً، أشار إلى عظمته بقوله، مؤكداً لمضمون الجملة المتقدمة :﴿صنع الله﴾ أي صنع الذي له الأمر كله ذلك الذي أخبر أنه كائن في ذلك اليوم صنعاً، ونحو هذا المصدر إذا جاء عقب كلام جاء كالشاهد بصحته، والمنادي على سداده، والصارخ بعلو مقداره، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا، ثم زاد في التعظيم بقوله دالاً على تمام الإحكام في ذلك الصنع :﴿الذي أتقن كل شيء ﴾.