الحكم الشرعي : جواز الشكوى لمن ألمّت به حاجة وكان عاجزا عن قضائها لمن يأنس منه أنه يجيب شكواه أو يغلب على ظنه ذلك، هذا ولما وصلتا بأغنامهما إلى دار أبيهما رأى عليه السلام أو اعتقد على القول بأنه أعمى، وأبصر على القول بأنه بصير وهو الصحيح، راجع الآية ٨٤ من سورة الأعراف المارة تجد قصة عماه ومعجزاته مفصله هناك أي شاهد الأغنام بطانا بخلاف عادتها، فسألهما عن ذلك، فقالتا وجدنا رجلا صالحا فسقى لنا، فقال لإحداهما اذهبي فادعيه، فذهبت نحوه قال تعالى "فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ" لأنها جاءت تدعوه لضيافتها ولم تدعه قبلا عند ما سقى لهما ولا تعلم أيجيب دعوتها أم لا، وكانت مستترة بكم درعها، مستحية من مخاطبته، وهذا دليل على إيمانها وشرف عنصرها "قالَتْ" له وهي واضعة يدها على وجهها "إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا" فكره عليه السلام الإجابة إذ كانت بمقابل فعل، لأنها صرحت له بذلك، وهي إنّما قالت ذلك لئلا يرتاب بكلامها، وإذ أسندت الدعوة إلى أبيها وكان عليه السلام بحاجة للراحة والأكل، أجاب دعوتها ومشى وراءها لأن الدليل عادة يتقدم على المدلول إلا أنه لما رأى الريح تضرب ثوبها فتمثل ردفها، كره أن يرى ذلك منها لا سيما وقد رأى حياءها وعلم شرفها، فقال لها تأخرى وامشي خلفي، وإذا أخطأت الطريق فاهديني إليه بكلامك، فعرفت المغزى من ذلك لما شاهدته من عبث الريح بثوبها،
فتأخرت وبقيا يمشيان هكذا وهي ترشده بقولها يمينا شمالا حتى وصلا إلى دار شعيب عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon