مطلب في قراءة التوراة وما لعمر رضي اللّه عنه فيها ومناسبة السورة لما قبلها :
وفي رواية استأذنه في جوامع كتبها من التوراة ليقرأها، فغضب صلّى اللّه عليه وسلم حتى عرف في وجهه ثم قال لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي فرمى بها رضي اللّه عنه من يده، وندم على ذلك.
وان سبب غضبه صلّى اللّه عليه وسلم هو أن عمر نقلها من التوراة التي بيد اليهود في المدينة، وكانت جلها محرّفة وفيها الزيادة التي وضعوها وعارية عن النقص الذي حذفوه، لمحاجة حضرة الرسول افتراء على اللّه، وكان الناس حديثي عهد بالكفر، فلو فتح حضرة الرسول باب المراجعة إلى التوراة وأجاز لهم مطالعتها في ذلك الزمن لأدى إلى إفساد العقائد، لأن الإسلام، حديث عهده، وجاءت أحكامه ناسخة للتوراة وغيرها من الكتب القديمة الصحيحة، فكيف بالمحرفة، وإلا لو كانت التوراة نفسها لما نهى عنها، لأن القرآن جاء مصدقا لها وللإنجيل وجميع الصحف السماوية، ومعدلا لبعض أحكامها مما هو في صالح البشر وموافق لعصرهم أما الآن فلا مانع من مطالعتها لمن له ملكة في العلوم، ومعرفة بكتب اللّه، وكان قويا في إيمانه وراسخا في عقيدته، عالما بالشرائع مما هو موافق منها لشرعنا وما هو مخالف له فيجتنب ما فيها مما هو مخالف للقرآن، ويقول بما فيها مما هو موافق له ويرشد الناس إلى ذلك، والدليل على جواز هذا قوله تعالى (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية ٦٣ من آل عمران في ج ٣، وكان عبد اللّه بن سلام وغيره من صادقي الإيمان ينقلون عنها ما ينقلون من الأخبار، ولم ينكر عليهم أحد، ولا فرق بين سماع ما ينقل عنهم وبين قراءتها أو أخذه منها، وقد رجع إليها كثير من العلماء إلى الزام اليهود والاحتجاج عليهم ببعض آياتها في إثبات حقيقة بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلم، كالعالم الكبير رحمة اللّه الهندي صاحب


الصفحة التالية
Icon