وان ظاهر هذا الخطاب وان كان منصرفا له صلّى اللّه عليه وسلم، لكن المراد به غيره، وهذه الآية نزلت على أثر دعاية المشركين له أن يرجع لدين آبائه كي يناصروه ويظاهروه ويعينوه ويملكوه عليهم ولما لم ينجع به ما حاكوه في دار الندوة بأن يقتلوه أو يخرجوه أو يجسوه، وهاجر على أثر هذا كما سيأتي تفصيله في بحث الهجرة آخر سورة العنكبوت في ج ٢، فنزلت هذه الآية بالمحل المار ذكره ردا على ذلك، وفيها إشارة بأن اللّه تعالى هو ظهيره على قومه الذين أخرجوه، ومؤازرة لنصرته عليهم ورجوعه لبلده، وإذ لم يؤمر بعد بقتالهم أشار إليه بأن أعرض عنهم وعن معاونتهم "وَلا يَصُدُّنَّكَ"
مكرهم وكيدهم وتخويفهم لك "عَنْ آياتِ اللَّهِ" والعمل بها "بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ" بعد زمن إنزالها، لأن إذ يضاف إليه أسماء الزمان كقولك يومئذ ووقتئذ وساعتئذ "وَادْعُ إِلى " توحيد "رَبِّكَ" وعبادته كافة الناس "وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" ٨٧ وحاشاه وهو مجتهد بالدعاء إلى توحيده ورفض الشرك وهو معصوم من أن يدعو إلى غير ربه وان المراد تحذير قومه ونهيهم وتذكيرهم بذلك وإلهاب قلوبهم إلى طاعة ربهم، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث وفي عصمة الأنبياء في سورة طه الآية ١٢١ المارة بصورة مفصّلة، فراجعه ترشد إلى ما يحوك في صدرك من هذا واللّه ولي التوفيق.
وهو الهادي إلى أقوم طريق وأعلم أن أصل فعل يصدنّك يصدوننّك، ولذا لم يفتح آخر الفعل مع أنه متصل بنون التوكيد الموجبة لذلك، لأن الضمير للجمع فلو كان للواحد لفتح، وقد حذف من نون الرفع.


الصفحة التالية
Icon