فأصل "أيٍّ" على هذا أَوْيٌ، فاجتمع الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون ؛ فقلبت ياء، وأدغمت في الياء ؛ فصارت "أيٌّ"، كقولهم : طَوَيْت الثوب طيًّا، وزَوَى وجهه زَيًّا.
وأما الاشتقاق فلأن "أيًّا" أين وقعت غيرُ مُتبَلَّعٍ١ بها ؛ فإنها بعض من كل، كقولنا : أيّ الناس عندك؟ وأيُّهم قام قمت معه، وأيُّهم يقوم زيد٢ وبعض الشيء آو إلى جميعه ألا ترى إلى قول العجلي في صفة البعير :
يَأْوي إلى مُلْطٍ لَهُ وَكَلْكَلٍ٣
أي يتساند إليها، ويعتمد عليها وهذا في المعنى كقول طفيل :
وَآلَتْ إلى أجْوَازَها وتَقَلْقَلَتْ قَلَائِدُ في أَعْنَاقِها لَمْ تُقَضَّب٤
وهذا واضح، فأصل "أيٌّ" على هذا أَوْي، ثم أدغمت الواو في الياء على ما مضى ؛ فصارت "أيّ" فإذا حذفت الياء تخفيفا فإنها الثانية. فإذا زالت الثانية أوجب القياس أن تعود الأولى إلى أصلها [١٢٢و] وهي الواو، فيقال : أوْما الأجلين قضيت.
والذي حسُن عندي إظهار العين هنا ياء مع زوال الياء القالبة٥ لها من بعدها - أنها إنما حذفت اللام تخفيفا وهي منوية مرادة معتقدة ؛ فأقرت العين مقلوبة ياء ؛ دلالة على إرادة الياء التي هي لام، وإشادة بها، كما صحت الواو الثانية في قوله :
وَكَحّلَ العَيْنَيْن بالْعَواوَر٦
دلالة على إرادة الياء في عوَاوِير، وأنها إنما حذفت استحسانا وتخفيفا، لا وجوبا وتصميما. وكما قالوا : اضْتَقَطْتُ النوَى، فصحّت التاء، ولم تقلب طاء لوقوع الضاد قبلها، كما قلبت

١ غير متبلع بها : غير متهمل عندها ولا مكتفًى بها، من قولهم : أبلعني ريقي، أي : أمهلني مقدار ما أبلعه.
٢ أي : أيهم قائما زيد، أو أيهم زيد قائما.
٣ انظر الصفحة ١٧١ من الجزء الأول.
٤ الأجواز : جمع الجوز، وهو من الشيء وسطه ومعظمه. وتقلقلت : تحركت. وتقضب : تقطع.
٥ في ك : الغالبة.
٦ انظر الصفحة ١٠٧ من الجزء الأول.


الصفحة التالية
Icon