وبين القصتين يجول السياق مع المشركين جولات يبصرهم فها بدلالة القصص - في سورة القصص - ويفتحأبصارهم على آيات الله المبثوثة في مشاهد الكون تارة، وفي مصارع الغابرين تارة، وفي مشاهد القيامة تارة.. وكلها تؤكد العبر المستفادة من القصص، وتساوقها وتتناسق معها ; وتؤكد سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل على مدار الزمان. وقد قال المشركون لرسول الله ( ﷺ ):" إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ". فاعتذروا عن عدم اتباعهم الهدى بخوفهم من تخطف الناس لهم، لو تحولوا عن عقائدهم القديمة التي من أجلها يخضع الناس لهم، ويعظمون البيت الحرام ويدينون للقائمين عليه.
فساق الله إليهم في هذه السورة قصة موسى وفرعون، تبين لهم أين يكون الأمن وأين تكون المخافة ; وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله، ولو فقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ; وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ! وساق لهم قصة قارون تقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى وتؤكدها.
وعقب على مقالتهم (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ؟ ولكن أكثرهم لا يعلمون).. يذكرهم بأنه هو الذي آمنهم من الخوف فهو الذي جعل لهم هذا الحرم الآمن ; وهو الذي يديم عليهم أمنهم، أو يسلبهم إياه ; ومضى ينذرهم عاقبة البطر وعدم الشكر:(وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، وكنا نحن الوارثين).
ويخوفهم عاقبة أمرهم بعد أن أعذر إليهم وأرسل فيهم رسولا. وقد مضت سنة الله من قبل بإهلاك المكذبين بعد مجيء النذير:(وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون).


الصفحة التالية
Icon