قال يوسف بن الحسين أمرت أم موسى بشيئين، ونهيت عن شيئين، وبشرت بشارتين، فلم ينفعها الكل حتى تولى اللّه حياطتها، فربط على قلبها وفي هذه الآية من البلاغة ما لا يخفى
"وَقالَتْ لِأُخْتِهِ" مريم بنت عمران "قُصِّيهِ" تتبعي أثره بدقة واعلمي خبره بسر وأخبريني حاله فذهبت إلى ديار فرعون "فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ" بعد بحيث كأنها لم تنظر إليه، ولا يهمها شأنه، وصارت تنظره اختلاسا، بطرف عينها بحيث تري الغير أنها غير عابئة به وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ١١" أنها أخته أو أنها تنظر إليه، ولما أراد اللّه انجاز
وعده برده إلى أمه، منعه من أن يقبل ثدي المراضع اللاتي أحضرن لإرضاعه قال تعالى "وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ" مجيء أخته، ولما رأت أخته أن أمره أهمهم لكثرة ما أحضرن له من المرضعات وهو ينقلب من يد زوجة فرعون إلى يد ابنته فيقبلانه ويضمّانه إلى صدرهما، تسربت بين المرضعات وتقدست "فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ" ١٢ بالتربية والغذاء والنظافة والإخلاص فيوضعونه ويضمّونه كما تريدون، وهذا الطلب على طريق العرض بلين ورفق وتؤدة، قالوا من هي ؟
قالت أرشدكم إلى امرأة قتل ولدها وأحب شيء لها أن ترضع ولدا، قالوا وكان هامان يسمع قولها، فقال إنها عرفته فلتدلني على أهله لأنها قالت وهم له ناصحون، فأمسكوها، قالت اني أردت أنهم ناصحون للملك لا له، وقد قلت هذا رغبة في سرور الملك، لأني رأيت زوجته وبنته قد أهمهما أمره فيتداولانه ويضمّانه على صدرهما، وأن الملك قد أخذه وضمه إلى صدره، وهو يبكي.


الصفحة التالية
Icon