أجيب : بأن أخذ الأجرة على الصدقة لا يجوز، وأما الاستئجار ابتداء فغير مكروه ﴿فلما جاءه﴾ أي : موسى شعيباً ﴿وقص﴾ أي : موسى عليه السلام ﴿عليه﴾ أي : شعيب عليه السلام ﴿القصص﴾ أي : حدّثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله تعالى (تنبيه) القصص مصدر كالعلل سمى به المقصوص، قال الضحاك : قال : له من أنت يا عبد الله، قال : أنا موسى بن عمران بن بصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب عليه السلام وذكر له جميع أمره من لدن ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم وقتل القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه ثم إن شعيباً عليه السلام أمنه بأن:
﴿قال﴾ له ﴿لا تخف نجوت من القوم الظالمين﴾ أي : فإن فرعون لا سلطان له بأرضنا، فإن قيل : أن المفسرين قالوا إن فرعون يوم ركب خلف موسى ركب في ألف ألف وستمائة ألف والملك الذي هذا شأنه كيف يعقل أن لا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام ؟
أجيب : بأن هذا ليس بمحال وإن كان نادراً ولما أمنه واطمأن.
﴿قالت إحداهما﴾ أي : المرأتين وهي التي دعته إلى أبيها مشيرة بالنداء بأداة البعد إلى استصغارها لنفسها وجلالة أبيها ﴿يا أبت استأجره﴾ أي : اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا ﴿إن خير مَنْ استأجرت القويّ الأمين﴾ أي : خير من استعملت من قوي على العمل لشيء من الأشياء وأداء الأمانة، قال أبو حيان : وقولها قول حكيم جامع لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة أن تقول استأجره لقوّته وأمانته، وإنما جعل خير من استأجرت اسماً والقويّ الأمين خبراً مع أن العكس أولى لأنّ العناية هي سبب التقديم، وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق بأن يكون خبراً اسماً، وورود الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف.