وقال ابن عاشور :
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
كلام فرعون المحكي هنا واقع في مقام غير مقام المحاورة مع موسى فهو كلام أقبل به على خطاب أهل مجلسه إثر المحاورة مع موسى فلذلك حُكي بحرف العطف عطف القصة على القصة.
فهذه قصة محاورة بين فرعون وملئه في شأن دعوة موسى فهي حقيقة بحرف العطف كما لا يخفى.
أراد فرعون بخطابه مع ملئه أن يثبتهم على عقيدة إلهيته فقال ﴿ ما علمتُ لكم من إله غيري ﴾ إبطالا لقول موسى المحكي في سورة [ الشعراء : ٢٦ ] ﴿ قال ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ وقوله هناك ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ﴾ [ الشعراء : ٢٤ ].
فأظهر لهم فرعون أن دعوة موسى لم تَرُجْ عنده وأنه لم يصدق بها فقال ﴿ ما علمت لكم من إله غيري.
والمراد بنفي علمه بذلك نفي وجود إله غيره بطريق الكناية يريهم أنه أحاط علمه بكل شيء حق فلو كان ثمة إله غيره لعلمه.
والمقصود بنفي وجود إله غيره نفي وجود الإله الذي أثبته موسى وهو خالق الجميع.
وأما آلهتهم التي يزعمونها فإنها مما تقتضيه إلهية فرعون لأن فرعون عندهم هو مظهر الآلهة المزعومة عندهم لأنه في اعتقادهم ابن الآلهة وخلاصة سرهم، وكل الصيد في جوف الفرا.
وحيث قال موسى إن الإله الحق هو رب السموات فقد حسب فرعون أن مملكة هذا الرب السماء تصوراً مختلاً ففرع على نفي إله غيره وعلى توهم أن الرب المزعوم مقره السماء أن أمر { هامان ﴾
وزيره أن يبني له صرحاً يبلغ به عنان السماء ليرى الإله الذي زعمه موسى حتى إذا لم يجده رجع إلى قومه فأثبت لهم عدم إله في السماء إثبات معاينة، أراد أن يظهر لقومه في مظهر المتطلب للحق المستقصي للعوالم حتى إذا أخبر قومه بعد ذلك بأن نتيجة بحثه أسفرت عن كذب موسى ازدادوا ثقة ببطلان قول موسى عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon