والصرح : القصر المرتفع، وقد تقدم عند قوله تعالى ﴿ قيل لها ادخلي الصرح ﴾ في سورة [ النمل : ٤٤ ].
ورجا أن يصل بهذا الصرح إلى السماء حيث مقر إله موسى.
وهذا من فساد تفكيره إذ حسب أن السماء يوصل إليها بمثل هذا الصرح ما طال بناؤه، وأن الله مستقر في مكان من السماء.
والاطلاع : الطلوع القوي المتكلف لصعوبته.
وقوله ﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾ استعمل فيه الظن بمعنى القطع فكانت محاولته الوصول إلى السماء لزيادة تحقيق ظنه، أو لأنه أراد أن يقنع قومه بذلك.
ولعله أراد بهذا تمويه الأمر على قومه ليلقي في اعتقادهم أن موسى ادعى أن الله في مكان معين يبلغ إليه ارتفاع صرحه.
ثم يجعل عدم العثور على الإله في ذلك الارتفاع دليلاً على عدم وجود الإله الذي ادعاه موسى.
وكانت عقائد أهل الضلالة قائمة على التخيل الفاسد، وكانت دلائلها قائمة على تمويه الدجالين من زعمائهم.
وقوله ﴿ من الكاذبين ﴾ يدل على أنه يعده من الطائفة الذين شأنهم الكذب كما تقدم في قوله تعالى ﴿ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ﴾ [ البقرة : ٦٧ ].
ولم يذكر القرآن أن هذا الصرح بُني، وليس هو أحد الأهرام لأن الأهرام بنيت من حجارة لا من آجرّ، ولأنها جعلت مدافن للذين بنوها من الفراعنة.
واختلف المفسرون هل وقع بناء هذا الصرح وتم أو لم يقع ؛ فحكى بعضهم أنه تم وصعد فرعون إلى أعلاه ونزل وزعم أنه قتل رب موسى.
وحكى بعضهم أن الصرح سقط قبل إتمام بنائه فأهلك خلقاً كثيراً من عملة البناء والجند.
وحكى بعضهم أنه لم يشرع في بنائه.
وقد لاح لي في معنى الآية وجه آخر سأذكره في سورة المؤمن.
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩)
الاستكبار : أشد من الكبر، أي تكبر تكبراً شديداً إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصول الغالب أو القرين.
و﴿ جنوده ﴾ : أتباعه.


الصفحة التالية
Icon