من قرأ ﴿ قال موسى ﴾ بغير واو فعلى طريقة السؤال والجواب. ووجه قراءة الأكثرين أنهم قالوا ذلك وقال موسىر هذا ليوازن العاقل الناظر بين القولين فيتبين له الغث من السمين. وقوله ﴿ ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ﴾ إفحام لخصم المعاند إذ لا سبيل إلى دفاعه بالحجة أي يعلم أني محق وأنهم مبطلون. وقوله ﴿ ومن تكون له عاقبة الدار ﴾ يعني العاقبة الحميدة كأن المذمومة غير معتدّ بها ضم طريقة الوعيد إلى الإفحام المذكور. وقيل : معناه ربي أعلم بالأنبياء السالفة فهو جواب لقولهم ﴿ ما سمعنا بهذا ﴾ وقال جار الله :﴿ ربي أعلم ﴾ بحال من أهله للفلاح حيث جعله نبياً ووعده حسنى العقبى، ولو كان كاذباً كما يزعمون لم يؤهله لذلك لأنه لا يفلح عنده الظالمون، واعلم أن فرعون كان من عادته عند ظهور حجة لموسى أن يتعلق في دفع تلك الحجة بشبهة يروّجها على أغمار قومه فذكر ههنا أمرين : الأوّل قوله ﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ فكأنه استدل بعدم الدليل على عدم المدلول وهو خطأ من جهة أن الدليل على المدلول وهو وجود الصانع أكثر من أن يحصى، ومن جهة أن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول. وأما قوله ﴿ غيري ﴾ فقد تكلف له بعضهم أنه لم يرد به أنه خالق السموات والأرض وما فيهما فإن امتناع ذلك بديهي، وإنما أراد به نفي الصانع والاقتصار على الطبائع وأنه لا تكليف على الناس إلا أن يطيعوا ملكهم وينقادوا لأمره.


الصفحة التالية
Icon