البحث الرابع : ليس الغرض بتصديق هرون أن يقول له صدقت، أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد، ألا ترى إلى قوله :﴿وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ﴾ وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا في مجرد قوله : صدقت.
البحث الخامس : قال الجبائي : إنما سأل موسى عليه السلام أن يرسل هرون بأمر الله تعالى وإن كان لا يدري هل يصلح هرون للبعثة أم لا ؟ فلم يكن ليسأل مالا يأمن أن يجاب أو لا يكون حكمة، ويحتمل أيضاً أن يقال إنه سأله لا مطلقاً بل مشروطاً على معنى، إن اقتضت الحكمة ذلك كما يقوله الداعي في دعائه.
البحث السادس : قال السدي : إن نبيين وآيتين أقوى من نبي بواحد وآية واحدة.
قال القاضي والذي قاله من جهة العادة أقوى، فأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين، لأن المبعوث إليه إن نظر في أيهما كان علم، وإن لم ينظر فالحالة واحدة، هذا إذا كانت طريقة الدلالة في المعجزتين واحدة، فإما إذا اختلفت وأمكن في إحداهما إزالة الشبهة ما لا يمكن في الأخرى، فغير ممتنع أن يختلفا ويصلح عند ذلك أن يقال إنهما بمجموعهما أقوى من إحداهما على ما قاله السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهرون عليهما السلام، لأن معجزتهما كانت واحدة لا متغايرة.
أما قوله :﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ فاعلم أن العضد قوام اليد وبشدتها تشتد، يقال في دعاء الخير شد الله عضدك، وفي ضده فت الله في عضدك.
ومعنى سنشد عضدك بأخيك سنقويك به، فإما أن يكون ذلك لأن اليد تشتد لشدة العضد والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور، وإما لأن الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة.


الصفحة التالية
Icon