فصل فى التفسير الإشارى فى الآيات السابقة
قال العلامة نظام الدين النيسابورى :
التأويل : وحين توجه تلقاء مدين عالم الروحانية ﴿ وجد عليه أمة ﴾ من أوصاف الروح ﴿ يسقون ﴾ مواشي أخلاقهم من ماء فيض الإلهي.
﴿ ووجد من دونهم امرأتين ﴾ السر والخفي ابنتا شعيب الروح يمنعان من استقاء ماء الفيض الإلهي. قال الشيخ الإمام الرباني نجم الدين المعروف بداية : وذلك لأن لمعان أنوار الفيض يرد على الروح في البداية بالتدريج فينشا منه الخفي، وهو لطيفه ربانية مودعة في الروح بالقوة فلا يحصل بالفعل إلا بعد غلبة الواردات الربانية ليكون واسطة بين الحضرة والروح في قبول تجليات صفات الربوبية والفيوض الإلهية، فيكون في هذه المدة بمعزل عن الاستقاء. وكذا السر وهو لطيفة روحانية متسوطة بين القلب والروح قابلة لفيض الروح، مؤدية غلى القلب وهو أيضاً بمعزل عن استقاء ماء فيض الروح عند اشتغال القلب بمعالجات النفس وإصلاح القالب إلى حين توجه موسى القلب إلى مدين عالم الروحانية وذلك قولهما ﴿ لا نسقي حتى يصدر الرعاء ﴾ وهم صفات الروح ويصرفوا مواشيهم وهي الصفات الإنسانية عن ماء الفيض الإِلهي، فإذا صدروا استقينا مواشينا من الأوصاف والأخلاق من أفضله مواشيهم في حوض القوى ﴿ وأبونا ﴾ وهو شعيب الروح لا يقدر على سقيه من الأوصاف الإنسانية إلا بالأجر والوسائط، وإنا لا نطيق أن نسقي لضعف حالنا، فسقي موسى القلب مواشيهما بقوّة استفادها من الجسد وقوّة استفادها من الروح لأنه متوسط بين العالمين ولهذا سمي قلباً ﴿ ثم تولى إلى الظل ﴾ إلى العناية فطلب الفيض الإلهي بلا وساطة وهكذا ينبغي أن يكون السالك لا يقنع بما وجد من المعارف أبداً.