وقال ابن عاشور :
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) ﴾
جرى التأكيد على الغالب في استعمال أمثاله من الأخبار الغريبة ليتحقق السامع وقوعها وإلا فإن الله قد علم ذلك لما قال له ﴿ اضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ [ القصص : ٣٢ ].
والمعنى : فأخاف أن يذكروا قتلي القبطي فيقتلوني.
فهذا كالاعتذار وهو يعلم أن رسالة الله لا يتخلص منها بعذر، ولكنه أراد أن يكون في أمن إلهي من أعدائه.
فهذا تعريض بالدعاء، ومقدمة لطلب تأييده بهارون أخيه.
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤)
هذا سؤال صريح يدل على أن موسى لا يريد بالأول التنصل من التبليغ ولكنه أراد تأييده بأخيه.
وإنما عيّنه ولم يسأل مؤيداً ما لعلمه بأمانته وإخلاصه لله ولأخيه وعلمه بفصاحة لسانه.
و﴿ ردى ﴾ بالتخفيف مثل ( ردء ) بالهمز في آخره : العون.
قرأه نافع وأبو جعفر ﴿ ردى ﴾ مخففاً.
وقرأه الباقون ﴿ ردءاً ﴾ بالهمز على الأصل.
و﴿ يصدقني ﴾ قرأه الجمهور مجزوماً في جواب الطلب بقوله ﴿ فأرسله معي ﴾.
وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أن الجملة حال من الهاء من ﴿ أرسله ﴾.
ومعنى تصديقه إياه أن يكون سبباً في تصديق فرعون وملئه إياه بإبانته عن الأدلة التي يلقيها موسى في مقام مجادلة فرعون كما يقتضيه قوله ﴿ هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردى يصدقني ﴾.
فإنه فرع طلب إرساله معه على كونه أفصح لساناً وجعل تصديقه جواب ذلك الطلب أو حالاً من المطلوب فهو تفريع على تفريع، فلا جرم أن يكون معناه مناسباً لمعنى المفرع عنه وهو أنه أفصح لساناً.
وليس للفصاحة أثر في التصديق إلا بهذا المعنى.
وليس التصديق أن يقول لهم : صدق موسى، لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة.