وقد ورد أيضاً :﴿ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ... ﴾ [ طه : ٤٧ ] فخاطبهم مرة بالمفرد، ومرة بالمثنى.
لذلك لما دعا موسى - عليه السلام - على قوم فرعون لما غرَّتهم الأموال، وفتنتهم زينة الحياة الدنيا قال ﴿ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم ﴾ [ يونس : ٨٨ ].
المتكلِّم هنا موسى وحده، ومع ذلك قال تعالى :﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا... ﴾ [ يونس : ٨٩ ] فنظر إلى أنهما رسول واحد، فموسى يدعو وهارون يُؤمِّن على دعائه، والمؤمِّن أحد الدَّاعِيَيْن.
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)
أجابه ربه :﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ... ﴾ [ القصص : ٣٥ ] لأن موسى قال في موضع آخر :﴿ اشدد بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي ﴾ [ طه : ٣١-٣٢ ] وقوله تعالى ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ... ﴾ [ القصص : ٣٥ ] تعبير بليغ يناسب المطلوب من موسى ؛ لأن الإنسان يزاول أغلب أعماله أو كلها تقريباً بيديه، والعضلة الفاعلة في الحمل والحركة هي العَضْد.
لذلك حين نمدح شخصاً بالقوة نقول : فلان هذا ( عضل )، وحين يصاب الإنسان والعياذ بالله بمرض ضمور العضلات تجده هزيلاً لا يقدر على فعْل شيء، فالمعنى : سنُقوِّيك بقوة مادية.
﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً... ﴾ [ القصص : ٣٥ ] هذه هي القوة المعنوية، وهي قوة الحجة والمنطق والدليل، فجمع لهما : القوة المادية، والقوة المعنوية.