وخُلوصُ المتكلم من النطقِ بجميع ذلك فصارتِ الفصاحةُ يوصف بها ثلاثةُ أشياءَ : الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ بخلاف البلاغةِ فإنه لا يُوْصَفُ بها إلاَّ الأخيران. وهذا له موضوعٌ يُوَضَّحُ فيه، وإنما ذكَرْتُ لك ما ينبِّهُك على أصلِه.
و[ قوله ] :" لِساناً " تمييز.
قوله :" رِدْءاً " منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ : العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط : دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس :" يقال :" رَدَأْته وأَرْدَأْته ".
وقال سلامة بن جندل :
٣٦١٣ ورِدْئي كلُّ أبيضَ مَشْرَفيٍّ | شَحيذِ الحَدِّ أبيضَ ذي فُلولِ |
وقال آخر :٣٦١٤ ألم تَرَ أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئي | وخيرَ الناسِ في قُلٍّ ومالِ |
وقرأ نافع " رِدا " بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلاَّ أنه لم يُنَوِّنْه كأنه أجرى الوصلَ مجرى الوقفِ. ونافعٌ ليس من قاعدتِه النقلُ في كلمةٍ إلاَّ هنا. وقيل : ليس فيه نَقْلٌ وإنما هو مِنْ أردى على كذا. أي : زاد. قال الشاعر :
٣٦١٥ وأسمرَ خَطِّيّاً كأنَّ كُعُوبَه | نوى القَسْبِ قد أردى ذِراعاً على العَشْرِ |
أي : زاد [ وأنشده الجوهريُّ : قد أربى، وهو بمعناه ].
قوله :
﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ قرأ حمزةُ وعاصمٌ بالرفع على الاستئناف أو الصفةِ ل " رِدْءاً " أو الحالِ من هاء " أَرْسِلْه "، أو من الضميرِ في " رِدْءاً ". والباقون بالجزمِ جواباً للأمرِ. وزيد بن علي واُبَيٌّ " يُصَدِّقوني " ِأي : فرعونُ ومَلَؤُه. قال ابن خالويه :" وهذا شاهدٌ لِمَنْ جَزَم ؛ لأنه لو كان رفعاً لقال " يُصَدِّقونَني " يعني بنونين ".