أي موسى ﴿من الكاذبين﴾ أي دأبه ذلك، وقد كذب هو ولبس لعنة الله ووصف أصدق أهل ذلك الزمان بصفة العريقة في العدوان، وإن كان هذا الكلام منه على حقيقته فلا شيء أثبت شهادة على إفراط جهله وغباوته منه حيث ظن أنه يصل السماء ؛ ثم علل على تقدير الوصول يقدر على الارتقاء على ظهرها، ثم على تقدير ذلك يقدر على منازعة بانيها وسامكها ومعليها.
ولما قال هذا مريداً به - كما تقدم - إيقاف قومه عن إتباع الحق، أتبعه تعالى الإشارة إلى أنهم فعلوا ما أراد، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى :﴿واستكبر﴾ أي وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه ﴿هو﴾ بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل ﴿وجنوده﴾ بانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل ﴿في الأرض﴾ أي أرض مصر، ولعله عرفها إشارة إلى أنه لو قدر على ذلك في غيرها فعل ﴿بغير الحق﴾ أي استكباراً مصحوباً بغير هذه الحقيقة، والتعبير بالتعريف يدل على أن التعظيم بنوع من الحق ليس كبراً وإن كانت صورته كذلك، وأما تكبره سبحانه فهو بالحق كله، وعطف على ذلك ما تفرع عنه وعن الغباوة أيضاً ولذا لم يعطفه بالفاء، فقال :﴿وظنوا﴾ أي فرعون وقومه ظناً بنوا عليه اعتقادهم في أصل الدين الذي لا يكون إلا بقاطع ﴿أنهم إلينا﴾ أي إلى حكمنا خاصة الذي يظهر عنده انقطاع الأسباب ﴿لا يرجعون﴾ أي لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك اجترؤوا على ما ارتكبوه من الفساد.
ولما تسبب عن ذلك إهلاكهم قال :﴿فأخذناه﴾ أي بعظمتنا أخذ قهر ونقمة ﴿وجنوده﴾ أي كلهم، وذلك علينا هين، وأشار إلى احتقارهم بقوله :﴿فنبذناهم﴾ أي على صغرهم وعظمتنا ﴿في اليم﴾ فكانوا على كثرتهم وقوتهم كحصيات صغار قذفها الرامي الشديد الذراع من يده في البحر، فغابوا في الحال، وما آبوا ولا أحد منهم إلى أهل ولا مال.