أما قوله :﴿وجعلناهم أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ فقد تمسك به الأصحاب في كونه تعالى خالقاً للخير والشر، قال الجبائي المراد بقوله :﴿وجعلناهم﴾ أي بينا ذلك من حالهم وسميناهم به، ومنه قوله :﴿وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا﴾ [ الزخرف : ١٩ ] وتقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله جعله فاسقاً وبخيلاً، لا أنه خلقهم أئمة لأنهم حال خلقهم لهم كانوا أطفالاً، وقال الكعبي : إنما قال :﴿وجعلناهم أَئِمَّةً﴾ من حيث خلى بينهم وبين ما فعلوه ولم يعاجل بالعقوبة، ومن حيث كفروا ولم يمنعهم بالقسر، وذلك كقوله :﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا﴾ [ التوبة : ١٢٥ ] لما زادوا عندها ونظير ذلك أن الرجل يسأل ما يثقل عليه، وإن أمكنه فإذا بخل به قيل للسائل جعلت فلاناً بخيلاً أي قد بخلته، وقال أبو مسلم معنى الإمامة التقدم فلما عجل الله تعالى لهم العذاب صاروا متقدمين لمن وراءهم من الكافرين.
واعلم أن الكلام فيه قد تقدم في سورة مريم ( ٨٣ ) في قوله :﴿أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين﴾ ومعنى دعوتهم إلى النار دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي فإن أحداً لا يدعو إلى النار ألبتة، وإنما جعلهم الله تعالى أئمة في هذا الباب لأنهم بلغوا في هذا الباب أقصى النهايات، ومن كان كذلك استحق أن يكون إماماً يقتدى به في ذلك الباب، ثم بين تعالى أن ذلك العقاب سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه وهو معنى قوله :﴿وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ﴾ أو يكون معناه ويوم القيامة لاينصرون كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة.
أما قوله :﴿وَأُتْبِعُواْ فِى هذه الدنيا لَعْنَةً﴾ معناه لعنة الله والملائكة لهم وأمره تعالى بذلك فيها للمؤمنين، وبين أنهم يوم القيامة من المقبوحين أي المبعدين الملعونين، والقبح هو الإبعاد، قال الليث يقال قبحه الله، أي نحاه عن كل خير.


الصفحة التالية
Icon