وتعقب بأنه لا يناسب قوله :﴿ فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى ﴾ إلا أن يراد فأطلع على حكم إله موسى بأوضاع الكواكب والنظر فيها هل أرسل موسى كما يقول أم لا؟ فيكون الكلام على تقدير مضاف و﴿ إلى ﴾ فيه بمعنى على، وجوز على هذا الوجه أن يكون قد أراد بإله موسى الكواكب فكأنه قال لعلي أصعد إلى الكواكب التي هي إله موسى فأنظر هل فيها ما يدل على إرسالها إياه أو لعلي أطلع على حكم الكواكب التي هي إله موسى في أمر رسالته وهو كما ترى، وبالجملة هذا الوجه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه.
الثالث : أنه أراد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده وبظنه كاذباً ظنه كاذباً في إثباته إلهاً غيره ويفسر الظن باليقين كما في قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج...
سراتهم في الفارسي المسرد
فإثبات الظن المذكور لا يدفع إرادة ذلك النفي، وجوز بعضهم إبقاءه على ظاهره، وقال في دفع المنافاة : يمكن أن يقال : الظاهر أن كلامه الأول كان تمويهاً وتلبيساً على القوم، والثاني كان مواضعة مع صاحب سره هامان فإثبات الظن في الثاني لا يدفع أن يكون العلم في الأول لنفي المعلوم، وفيه أنه يأبى ذلك سوق الآية، والفاء في فأوقد لي وطلبه بناء الصرح راجياً الصعود إلى إله موسى عليه السلام أراد به التهكم كأنه نسب إلى موسى عليه السلام القول بأن إلهه في السماء فقال :﴿ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِى صَرْحاً ﴾ لأصعد إلى إله موسى متهكماً به، وهذا نظير ما إذا أخبرك شخص بحياة زيد وأنه في داره، وأنت تعلم خلاف ذلك فتقول لغلامك بعد أن تذكر علمك بما يخالف قوله متهكماً به يا غلام أسرج لي الدابة لعلي أذنب إلى فلان وأستأنس به بل ما قاله فرعون أظهر في التهكم مما ذكر فطلبه بناء الصرح بناء على هذا لا يكون منافياً لما ادعاه أولاً وآخراً من العلم واليقين.