﴿ وجعلناهم ﴾ أي خلقناهم ﴿ أَئِمَّةَ ﴾ قدوة للضلال بسبب حملهم لهم على الضلال كما يؤذن بذلك قوله تعالى :﴿ يَدْعُونَ إِلَى النار ﴾ أي إلى موجباتها من الكفر والمعاصي على أن النار مجاز عن ذلك أو على تقدير مضاف والمراد جعلهم ضالين مضلين والجعل هنا مثله في قوله تعالى :﴿ جَعَلَ الظلمات والنور ﴾ [ الأنعام : ١ ] والآية ظاهرة في مذهب أهل السنة من أن الخير والشر مخلوقان لله عز وجل وأولها المعتزلة تارة بأن الجعل فيها بمعنى التسمية مثله في قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي وسميناهم فيما بين الأمم بعدهم دعاة إلى النار، وتارة بأن جعلهم كذلك بمعنى خذلانهم ومنعهم من اللطف والتوفيق للهداية والأولى محكي عن الجبائي والثاني عن الكعبي، وعن أبي مسلم أن المراد صيرناهم بتعجيل العذاب لهم أئمة أي متقدمين لمن وراءهم من الكفرة إلى النار وهذا في غاية التعسف كما لا يخفى ﴿ وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ ﴾ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
﴿ وأتبعناهم ﴾ ﴿ فِى هذه الدنيا ﴾ التي فتنتهم ﴿ لَّعْنَةُ ﴾ طرداً وإبعاداً أو لعناً من اللاعنين حيث لا تزال الملائكة عليهم السلام تلعنهم وكذا المؤمنون خلفاً عن سلف وذلك إما بدخولهم في عموم من يلعنونهم من الظالمين وإما بالتنصيص عليهم نحو لعن الله تعالى فرعون وجنوده ﴿ وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين ﴾ من المطرودين المبعدين يقال : قبحه الله تعالى بالتخفيف أي نحاه وأبعده عن كل خير كما قال الليث، ولا يتكرر مع اللعنة المذكورة قيل : لأن معناها الطرد أيضاً لأن ذلك في الدنيا وهذا في الآخرة أو ذاك طرد عن رحمته التي في الدنيا وهذا طرد عن الجنة أو على هذا يراد باللعنة فيما تقدم ما تأخر مع أن المطرودين معناه أنهم من الزمرة المعروفين بذلك وهو أبلغ وأخص، وقال أبو عبيدة.
والأخفش.


الصفحة التالية
Icon