واعلم أن الذي اقترحوه غير لازم لأنه لا يجب في معجزات الأنبياء عليهم السلام أن تكون واحدة ولا فيما ينزل إليهم من الكتب أن يكون على وجه واحد إذ الصلاح قد يكون في إنزاله مجموعاً كالتوراة ومفرقاً كالقرآن، ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة بقوله :﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ﴾ واختلفوا في أن الضمير في قوله :﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ﴾ إلى من يعود، وذكروا وجوهاً : أحدها : أن اليهود أمروا قريشاً أن يسألوا محمداً أن يؤتى مثل ما أوتي موسى عليه السلام فقال تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى﴾ يعني أو لم تكفروا يا هؤلاء اليهود الذين استخرجوا هذا السؤال بموسى عليه السلام مع تلك الآيات الباهرة وثانيها : أن الذين أوردوا هذا الاقتراح كفار مكة، والذين كفروا بموسى هم الذين كانوا في زمان موسى عليه السلام إلا أنه تعالى جعلهم كالشيء الواحد لأنهم في الكفر والتعنت كالشيء الواحد وثالثها : قال الكلبي إن مشركي مكة بعثوا رهطاً إلى يهود المدينة ليسألهم عن محمد وشأنه فقالوا إنا نجده في التوراة بنعته وصفته، فلما رجع الرهط إليهم وأخبروهم بقول اليهود قالوا إنه كان ساحراً كما أن محمداً ساحر، فقال تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى﴾ ورابعها : قال الحسن قد كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام فمعناه على هذا أو لم يكفر آباؤهم بأن قالوا في موسى وهرون ساحران وخامسها : قال قتادة أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد عليهما السلام فقالوا ساحران وسادسها : وهو الأظهر عندي أن كفار قريش ومكة كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول ﷺ معجزات موسى عليه السلام قال الله تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ﴾ بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل، فعلمنا أنه لا غرض لكم في هذا


الصفحة التالية
Icon