الثانية : قوله تعالى :﴿ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ عام في صبرهم على ملتهم، ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك.
الثالثة : قوله تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون.
درأت إذا دفعت، والدرء الدفع.
وفي الحديث :" ادرؤوا الحدود بِالشبهات " قيل : يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن الأذى.
وقيل : يدفعون بالتوبة والاستغفار الذنوب ؛ وعلى الأوّل فهو وصف لمكارم الأخلاق ؛ أي من قال لهم سوءاً لاينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه.
فهذه آية مهادنة، وهي من صدر الإسلام، وهي مما نسختها آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاه أمة محمد ﷺ إلى يوم القيامة.
ومنه قوله عليه السلام لمعاذ :" وأتبعِ السيئة الحسنة تمحها وخالقِ الناس بخلق حسن " ومن الخلق الحسن دفع المكروه والأذى، والصبر على الجفا بالإعراض عنه ولين الحديث.
الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ أثنى عليهم بأنهم ينفقون من أموالهم في الطاعات وفي رسم الشرع، وفي ذلك حض على الصدقات.
وقد يكون الإنفاق من الأبدان بالصوم والصلاة ؛ ثم مدحهم أيضاً على إعراضهم عن اللغو ؛ كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] أي إذا سمعوا ما قال لهم المشركون من الأذى والشتم أعرضوا عنه ؛ أي لم يشتغلوا به ﴿ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ أي متاركة ؛ مثل قوله :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ] أي لنا ديننا ولكم دينكم.
﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ أي أَمْناً لكم منا فإنا لا نحاربكم، ولا نسابّكم، وليس من التحية في شيء.
قال الزجاج : وهذا قبل الأمر بالقتال.
﴿ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين ﴾ أي لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمشاتمة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٣ صـ ﴾