لم يكن عذراً لكم في أن لا تؤمنوا وقد ظهرت الحجة لانقطعوا، أو قال لهم إن تخطفهم لكن بالقتل وغيره، وقد آمنتم كالشهادة لكم فهو نفع عائد علكيم لانقطعوا أيضاً، ولو قال لهم ما قدر مضرة التخطف في جنب العقاب الدائم الذي أخوفكم منه إن بقيتم على كفركم لانقطعوا، لكنه تعالى احتج بما هو أقوى من حيث بين كذبهم في أنهم يتخطفون من حيث عرفوا من حال البقعة بالعادة، أن ذلك لا يجري إن آمنوا، ومثل ذلك إذا أمكن بيانه للخصم فهو أولى من سائر ما ذكرنا، فلذلك قدمه الله تعالى، والآية دالة على صحة الحجاج الذي يتوصل به إلى إزالة شبهة المبطلين.
بقي ههنا بحثان :
الأول : قال صاحب "الكشاف" في انتصاب رزقاً إن جعلته مصدراً جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله، لأن معنى يجبى إليه ثمرات كل شيء، ويرزق ثمرات كل شيء واحد، وأن يكون مفعولاً له، وإن جعلته بمعنى مرزوق كان حالاً من الثمرات لتخصيصها بالإضافة، كما ينتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة.
الثاني : احتج الأصحاب بقوله :﴿رّزْقاً مّن لَّدُنَّا﴾ في أن فعل العبد خلق الله تعالى، وبيانه أن تلك الأرزاق إنما كانت تصل إليهم، لأن الناس كانوا يحملونها إليهم فلو لم يكن فعل العبد خلقاً لله تعالى لما صحت تلك الإضافة، فإن قيل سبب تلك الإضافة أنه تعالى هو الذي ألقى تلك الدواعي في قلوب من ذهب بتلك الأرزاق إليهم، قلنا تلك الدواعي إن اقتضت الرجحان، فقد بينا في غير موضع أنه متى حصل الرجحان، فقد حصل الوجوب وحينئذ يحصل المقصود، وإن لم يحصل الرجحان انقطعت الإضافة بالكلية.