وثانيها : يحتمل أن شؤم معاصي المهلكين بقي أثره في ديارهم، فكل من سكنها من أعقابهم لم يبق فيها إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين لها بعد هلاك أهلها، وإذا لم يبق للشيء مالك معين قيل إنه ميراث الله لأنه الباقي بعد فناء خلقه، ثم إنه سبحانه لما ذكر أنه أهلك تلك القرى بسبب بطر أهلها، فكأن سائلاً أورد السؤال من وجهين الأول : لماذا ما أهلك الله الكفار قبل محمد ﷺ مع أنهم كانوا مستغرقين في الكفر والعناد ؟ الثاني : لماذا ما أهلكهم بعد مبعث محمد ﷺ مع تمادي القوم في الكفر بالله تعالى والتكذيب بمحمد ﷺ ؟ فأجاب عن السؤال الأول بقوله :﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا﴾ وحاصل الجواب أنه تعالى قدم بيان أن عدم البعثة يجري مجرى العذر للقوم، فوجب أن لا يجوز إهلاكهم إلا بعد البعثة، ثم ذكر المفسرون وجهين أحدهما :﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً﴾ أي في القرية التي هي أمها وأصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها رسولاً لإلزام الحجة وقطع المعذرة الثاني : وما كان ربك مهلك القرى التي في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة رسولاً وهو محمد ﷺ خاتم الأنبياء، ومعنى :﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا﴾ يؤدي ويبلغ، وأجاب عن السؤال الثاني بقوله :﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون﴾ أنفسهم بالشرك وأهل مكة ليسوا كذلك فإن بعضهم قد آمن وبعضهم علم الله منهم أنهم سيؤمنون وبعض آخرون علم الله أنهم وإن لم يؤمنوا لكنه يخرج من نسلهم من يكون مؤمناً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ٣ ـ ٦﴾