ثم إنه تعالى لما أقام الدلالة على النبوة أكد ذلك بأن قال :﴿الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ﴾ أي من قبل القرآن أسلموا بمحمد فمن لا يعرف الكتب أولى بذلك، واختلفوا في المراد بقوله :﴿الذين ءاتيناهم الكتاب﴾ وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : قال قتادة إنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة حقة يتمسكون بها فلما بعث الله تعالى محمداً آمنوا به من جملتهم سلمان وعبدالله بن سلام وثانيها : قال مقاتل نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل وهم أصحاب السفينة جاؤا من الحبشة مع جعفر وثالثها : قال رفاعة بن قرظة نزلت في عشرة أنا أحدهم، وقد عرفت أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من حصل في حقه تلك الصفة كان داخلاً في الآية ثم حكى عنهم ما يدل على تأكيد إيمانهم وهو قولهم :﴿آمنا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ فقوله :﴿إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا﴾ يدل على التعليل يعني أن كونه حقاً من عند الله يوجب الإيمان به وقوله :﴿إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ بيان لقوله :﴿آمنا به﴾ لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده، فأخبروا أن إيمانهم به متقادم وذلك لما وجدوه في كتب الأنبياء عليهم السلام المتقدمين من البشارة بمقدمه، ثم إنه تعالى لما مدحهم بهذا المدح العظيم قال :﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ﴾ وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أنهم يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بمحمد ﷺ قبل بعثته وبعد بعثته وهذا هو الأقرب لأنه تعالى لما بين أنهم آمنوا به بعد البعثة وبين أيضاً أنهم كانوا به قبل مؤمنين البعثة ثم أثبت الأجر مرتين وجب أن ينصرف إلى ذلك وثانيها : يؤتون الأجر مرتين مرة بإيمانهم بالأنبياء الذي كانوا قبل محمد ﷺ ومرة أخرى بإيمانهم بمحمد ﷺ وثالثها : قال مقاتل هؤلاء لما آمنوا


الصفحة التالية
Icon