أما قوله :﴿لَهُ الحمد فِى الأولى والأخرة﴾ فهو ظاهر على قولنا لأن الثواب غير واجب عليه بل هو سبحانه يعطيه فضلاً وإحساناً فله الحمد في الأولى والآخرة، ويؤكد ذلك قول أهل الجنة ﴿الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ [ فاطر : ٣٤ ] ﴿الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [ الزمر : ٧٤ ] ﴿وآخر دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ [ يونس : ١٠ ] أما المعتزلة فعندهم الثواب مستحق فلا يستحق الحمد بفعله من أهل الجنة، وأما أهل النار فما أنعم عليهم حتى يستحق الحمد منهم، قال القاضي إنه يستحق الحمد والشكر من أهل النار أيضاً بما فعله بهم في الدنيا من التمكين والتيسير والإلطاف وسائر النعم، لأنهم بإساءتهم لا يخرج ما أنعم الله عليهم من أن يوجب الشكر، وهذا فيه نظر، لأن أهل الآخرة مضطرون إلى معرفة الحق فإذا علموا بالضرورة أن التوبة عن القبائح يجب على الله قبولها وعلموا بالضرورة أن الاشتغال بالشكر الواجب عليهم يوجب على الله الثواب وهم قادرون على ذلك وعالمون بأن بذلك مما يخلصهم عن العذاب ويدخلهم في استحقاق الثواب أفترى أن الإنسان مع العلم بذلك والقدرة عليه يترك هذه التوبة ؟ كلا، بل لا بد أن يتوبوا وأن يشتغلوا بالشكر، ومتى فعلوا ذلك فقد بطل العقاب.
أما قوله :﴿وَلَهُ الحكم﴾ فهو إما في الدنيا أو في الآخرة فأما في الدنيا فحكم كل أحد سواه إنما نفذ بحكمه، فلولا حكمه لما نفذ على العبد حكم سيده ولا على الزوجة حكم زوجها ولا على الابن حكم أبيه ولا على الرعية حكم سلطانهم ولا على الأمة حكم الرسول، فهو الحاكم في الحقيقة، وأما في الآخرة فلا شك أنه هو الحاكم، لأنه الذي يتولى الحكم بين العباد في الآخرة، فينتصف للمظلومين من الظالمين.