﴿وقالوا إن نتبع الهدى﴾ أي : الإسلام فنوحد الله تعالى من غير إشراك ﴿معك﴾ وأنت على ما أنت عليه من مخالفة الناس ﴿نتخطف﴾ أي : من أيّ خاطف أرادنا لأنا نصير قليلاً في كثير من غير نصير ﴿من أرضنا﴾ كما تتخطف العصافير لمخالفة كافة العرب لنا وليس لنا نسبة إلى كثرتهم ولا قوّتهم فيسرعوا إلينا فيتخطفونا، أي : يتقصدون خطفنا واحداً واحداً فإنه لا طاقة لنا على إدامة الاجتماع وأن لا يشذ بعضنا عن بعض.
قال المبرد : والخطف الانتزاع بسرعة نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للنبي ﷺ إنا لنعلم أن الذي تقوله حق ولكنا إن اتبعناك على دينك وخالفنا العرب بذلك وإنما نحن أكلة رأس خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة، ثم ردّ الله تعالى عليهم هذه الشبهة وألقمهم الحجر بقوله تعالى :﴿أو لم نمكن﴾ أي : غاية التمكين ﴿لهم﴾ أي : في أوطانهم ومحلّ سكناهم بما لنا من القدرة ﴿حرماً آمنا﴾ أي : ذا أمن يأمن فيه كل خائف حتى الطير من كواسرها والوحش من جوارحها حتى إن سيل الحلّ لا يدخل الحرم بل إذا وصل إليه عدل عنه، وروي أنّ مكة كانت في الجاهلية لا يعرضها ظلم ولا بغي ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته وكان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه فيها فلا يهيجه ولا يتعرّض له بسوء، وروى الأزرقي في تاريخ مكة عن حويطب بن عبد العزى قال : كان في الكعبة حلق يدخل الخائف يده فيها فلا يريبه أحد فجاء خائف ليدخل يده فاجتذبه رجل فشلت يده فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشلّ.
وعن ابن عباس قال : أخذ رجل ذود ابن عمّ له فأصابه في الحرم فقال : ذودي فقال اللص : كذبت قال فاحلف فحلف عند المقام فقام ربّ الذود بين الركن والمقام باسطاً يديه يدعو فما برح مقامه يدعو حتى ذهب عقل اللص وجعل يصيح بمكة مالي ولفلان رب الذود فبلغ ذلك عبد المطلب فجمع الذود ودفعه إلى المظلوم فخرج به وبقي الآخر حتى وقع من جبل فتردّى فأكلته السباع.