﴿وكم أهلكنا من قرية﴾ أي : من أهل قرية وأشار إلى سبب الإهلاك بقوله تعالى :﴿بطرت معيشتها﴾ أي : وقع منها البطر في زمن عيشها الرخيّ الواسع فكان حالهم كحالكم في الأمن وإدرار الرزق فلما بطروا معيشتهم أهلكناهم، ومعنى بطرهم لها قال عطاء : أنهم أكلوا رزق الله وعبدوا غيره، وقيل : البطر سوء احتمال الغنى وهو أن لا يحفظ حق الله تعالى فيه.
تنبيه : انتصاب معيشتها إما بحذف الجار واتصال الفعل كما في قوله تعالى :﴿واختار موسى قومه﴾ (الأعراف :)
أو بتقدير حذف ظرف الزمان وأصله بطرت أيام معيشتها، وإما بتضمين بطرت معنى كفرت أو خسرت، أو على التمييز، أو على التشبيه بالمفعول به وهو قريب من سفه نفسه ﴿فتلك مساكنهم﴾ خاوية ﴿لم تسكن من بعدهم﴾ بعد أن طال ما تعالوا فيها ونمَّقوها وزخرفوها وزفوا فيها الأبكار وفرحوا بالأعمال الكبار ﴿إلا﴾ سكوناً ﴿قليلاً﴾ قال ابن عباس : لم يسكنها إلا المسافرون ومارّوا الطريق يوماً أو ساعة من ليل أو نهار ثم تصير يباباً موحشة كالقفار بعد أن كانت متمنعة الفناء ببيض الصفاح وسمر القنا، قال الزمخشري : ويحتمل أنّ شؤم معاصي المهلكين بقي في أثره ديارهم فكل من سكنها من أعقابهم لم يبق فيها إلا قليلاً ﴿وكنا﴾ أي : أزلاً وأبداً ﴿نحن﴾ لا غيرنا ﴿الوارثين﴾ منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرّف تصرّفهم في ديارهم وسائر متصرّفاتهم قال القائل:
*تتخلف الآثار عن أصحابها ** حيناً ويدركها الفناء فتتبع*