أجيب : بأنه تعالى ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأنّ المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعايش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثمّ قرن بالضياء﴿أفلا تسمعون﴾ لأن السمع يدرك ما لا يدرك البصر من ذلك منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل ﴿أفلا تبصرون﴾ لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون، قال البقاعي : فالآية من الاحتباك ذكر الضياء أولاً دليلاً على حذف الظلام ثانياً والليل والسكون ثانياً دليلاً على حذف النهار والانتشار أوّلاً ولما كان التقدير ومن رحمته جعل لكم السمع والأبصار لتتدبروا آياته وتبصروا في مصنوعاته عطف عليه.
﴿ومن رحمته﴾ أي : التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض ﴿جعل لكم الليل والنهار﴾ آيتين عظيمتين دبر فيها وبهما جميع مصالحكم فجعل آية الليل ﴿لتسكنوا فيه﴾ فلا تسعوا فيه لمعاشكم ﴿و﴾ جعل آية النهار مبصرة ﴿لتبتغوا من فضله﴾ بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم، قال البقاعي : فالآية من الاحتباك ذكر أوّلاً السكون دليلاً على حذف السعي في المعاش ثانياً وذكر الابتغاء من فضله ثانياً دليلاً على حذف عدم السعي في المعاش أوّلاً ﴿ولعلكم تشكرون﴾ أي : وليكون حالكم حال من يرجى منه الشكر لما يتجدد لكم من تقلبهما من النعم المتوالية التي لا يحصرها إلا خالقها، وأما الآخرة فلما كانت غير مبنية على الأسباب وكانت الجنة لا تعب فيها بوجه كان لا حاجة فيها لليل.


الصفحة التالية
Icon