ثم ذكر تعالى من تعنتهم، شبهة استروح بها الحارث بن عامر بن نوفل، فيما رواه النسائي، قوله سبحانه :﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ﴾ أي : ونخالف العرب :﴿ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ أي : مكة. فرد عليهم تعالى بقوله :﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً ﴾ أي : ألم نعصمهم من عدوّهم ونجعل مكانهم حرماً ذا أمَنٍ، لحرمة البيت الحرام، الذي تتناجز العرب حوله وهم آمنون :﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ أي : جهلة لا يتفكرون. ولو علموا أن ذلك رزق من عند الله، لعلموا أن الخوف والأمن من عنده، ولما خافوا التخطف إذ آمنوا به وخلعوا أنداده ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي : كفرت بها فلم تحفظ حق الله فيها فدمرت :﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ أي : منهم. إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم. وموصوف قليلاً المستثنى، إما زمان أي : إلا زماناً قليلاً، إذ لا يسكنها إلا المارّة يوماً أو بعض يوم. وإما مكان أي : إلا مكاناً قليلاً يصح لسكنى البعض، واندثر الباقي. أو مصدر أي : سكناً قليلاً من شؤم معاصيهم.
القول في تأويل قوله تعالى :