للإمام ابن القيّم في مقدمة " زاد المعاد " مقالة في هذه الآية الكريمة، جديرة بأن تؤثر عنه. قال رحمه الله : وبعد. فإن الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات. قال تعالى :﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ وليس المراد هاهنا بالاختيار، الإرادة التي يشير إليها المتكلمون بأنه الفاعل المختار، وهو سبحانه كذلك. وليس المراد بالاختيار هنا هذا المعنى. وهذا الاختيار داخل في قوله :﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ فإنه لا يخلق إلا باختياره. وداخل في قوله تعالى :﴿ مَا يَشَاءُ ﴾ فإن المشيئة هي الاختيار. وإنما المراد بالاختيار هنا الاجتباء والاصطفاء. فهو اختيار بعد الخلق. والاختيار العام اختيار قبل الخلق. فهو أعم وأسبق. وهذا أخص وهو متأخر. فهو اختيار من الخلق والأول اختيار للخلق. وأصح القولين أن الوقف التام على قوله :﴿ وَيَخْتَارُ ﴾ ويكون :﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ نفياً. أي : ليس هذا الاختيار إليهم، بل هو إلى الخالق وحده. فكما أنه هو المتفرد بالخلق، فهو المتفرد بالاختيار منه. فليس لأحد أن يخلق ولا يختار سواه. فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره ومحالّ رضاه، وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له. وغيره لا يشاركه في ذلك بوجه. وذهب بعض من لا تحقيق عنده ولا تحصيل، إلى أن ما في قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ موصولة وهي مفعول يختار أي : ويختار الذي لهم الخيرة. وهذا باطل من وجوه :


الصفحة التالية
Icon