واعلم أن القوم كانوا يذكرون شبهة أخرى ويقولون :﴿لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [ الزخرف : ٣١ ] يعنون الوليد بن المغيرة أو أبا مسعود الثقفي، فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ والمراد أنه المالك المطلق وهو منزه عن النفع والضر فله أن يخص من شاء بما شاء لا اعتراض عليه ألبتة، وعلى طريقة المعتزلة لما ثبت أنه حكيم مطلق علم أنه كل ما فعله كان حكمة وصواباً فليس لأحد أن يعترض عليه وقوله :﴿مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة﴾ والخيرة اسم من الاختيار قام مقام المصدر والخيرة أيضاً اسم للمختار يقال محمد خيرة الله في خلقه إذا عرفت هذا فنقول في الآية وجهان : الأول : وهو الأحسن أن يكون تمام الوقف على قوله :﴿وَيَخْتَارُ﴾ ويكون ما نفياً، والمعنى :﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ ليس لهم الخيرة إذ ليس لهم أن يختاروا على الله أن يفعل والثاني : أن يكون ما بمعنى الذي فيكون الوقف عند قوله :﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ ثم يقول :﴿ويختَار ما كان لهم الخيرة﴾، قال أبو القاسم الأنصاري وهذا متعلق المعتزلة في إيجاب الصلاح والأصلح عليه، وأي صلاح في تكليف من علم أنه لا يؤمن ولو لم يكلفه لاستحق الجنة والنعيم من فضل الله، فإن قيل لما كلفه استوجب على الله ما هو الأفضل لأن المستحق أفضل من المتفضل به قلنا إذا علم قطعاً إنه لا يحصل ذلك الأفضل فتوريطه في العقاب الأبدي لا يكون رعاية للمصلحة، ثم قولهم المستحق خير من المتفضل به جهل لأن ذلك التفاوت إنما يحصل في حق من يستنكف من تفضله، أما الذي ما حصل الذات والصفات إلا بخلقه وبفضله وإحسانه فكيف يستنكف من تفضله، ثم قال :﴿سبحان الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ والمقصود أن يعلم أن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة ثم أكد ذلك بأنه يعلم ما تكن صدورهم من