لذلك وثانيها : قال سعيد بن المسيب والضحاك : كان موسى عليه السلام أنزل عليه علم الكيمياء من السماء فعلم قارون ثلث العلم ويوشع ثلثه وكالب ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص فيجعله فضة والنحاس فيجعله ذهباً وثالثها : أراد به علمه بوجوه المكاسب والتجارات ورابعها : أن يكون قوله :﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى﴾ أي الله أعطاني ذلك مع كونه عالماً بي وبأحوالي فلو لم يكن ذلك مصلحة لما فعل وقوله :﴿عِندِى﴾ أي عندي أن الأمر كذلك، كما يقول المفتى عندي أن الأمر كذلك أي مذهبي واعتقادي ذلك، ثم أجاب الله تعالى عن كلامه بقوله :﴿أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ وفيه وجهان : الأول : يجوز أن يكون هذا إثباتاً لعلمه بأن الله تعالى قد أهلك قبله من القرون من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة وأخبر به موسى عليه السلام وسمعه من حفاظ التواريخ كأنه قيل له : أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته الثاني : يجوز أن يكون نفياً لعلمه بذلك كأنه لما قال أوتيته على علم عندي فتصلف بالعلم وتعظم به، قيل أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه، ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين ؟.
أما قوله :﴿وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ فالمعنى أكثر جمعاً للمال أو أكثر جماعة وعدداً، وحاصل الجواب أن اغتراره بماله وقوته وجموعه من الخطأ العظيم، وأنه تعالى إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك ولا ما يزيد عليه أضعافاً.


الصفحة التالية
Icon