موسى} تنبيهاً على أنه جدير بأن ينكر كونه كذلك لأنه فعله معهم لا يكاد يفعله أحد مع قومه، وذلك أنه كان من الذين آمنوا به وقلنا فيهم ﴿ونريد أن نمن على الذين﴾ إلى آخره، لأنه ابن عم موسى عليه الصلاة والسلام على ما حكاه أبو حيان وغيره عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ ﴿فبغى عليهم﴾ أي تجاوز الحد في احتقارهم بما خولناه فيه من هذا الحطام المتلاشي، والعرض الفاني، فقطع ما بينه وبينهم من الوصلة، ووصل ما بينه وبين فرعون وأضرابه، من الفرقة، فأخرجه ذلك من حوزة المنة والأمانة والوراثة إلى دائرة الهلاك والحقارة والخيانة، كما بغى عليهم فرعون ؛ وكان أصل " بغى " هذه : أراد، لكن لما كان العبد لا ينبغي أن يكون له إرادة، بل الإرادة لسيده كما نبه عليه ﴿ما كان لهم الخيرة﴾، جعلت إرادته تجاوز الحد، وعديت ب " على " المقتضية للاستعلاء تنبيهاً على خروجها عن أصلها.
ولما ذكر بغيه، ذكر سببه الحقيقي، فقال :﴿وآتيناه﴾ أي ومع كوننا أنعمنا عليه بجعله من حزب أصفيائنا آتيناه بعظمتنا ﴿من الكنوز﴾ أي الأموال المدفونة المدخرة، فضلاً عن الظاهرة التي هي بصدد الإنفاق منه لما عساه يعرض من المهمات ﴿ما﴾ أي الذي أو شيئاً كثيراً لا يدخل تحت حصر حتى ﴿إن مفاتحه﴾ أي مفاتح الأغلاق التي هو مدفون فيما وراء أبوابها ﴿لتنوء﴾ أي تميل بجهد ومشقة لثقلها ﴿بالعصبة﴾ أي الجماعة الكثيرة التي يعصب - أي يقوي - بعضهم بعضاً، وفي المبالغة بالتعبير بالكنوز والمفاتيح والنوء والعصبة الموصوفة ما يدل على أنه أوتي من ذلك ما لم يؤته أحد ممن هو في عداده، وكل ذلك مما تستبعده العقول، فلذلك وقع التأكيد ﴿أولي القوة﴾ أي تميلهم من أثقالها إياهم، والنوء : الميل، قال الرازي : والنوء : الكوكب مال عن العين عند الغروب، يقال : ناء بالحمل - إذا نهض به مثقلاً، وناء به الحمل - إذا أماله لثقله.


الصفحة التالية
Icon