والآية صالحة للمعنيين، وكلا العذابين واقع بهم لا محالة، ومما يرجح كون المراد منه عذاب الآخرة قوله تعالى "يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ" إذ كرره بالظاهر لشدة هوله، كيف وقد قرنه بقوله "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ" ٥٤ جميعهم لا يفلت منهم أحد والجملة حالية أي يستعجلونك بالعذاب والحال محل العذاب الذي هو جهنم لا عذاب فوقه محيط بهم "يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" فيجللهم من أطرافهم كلها، وهذا معنى إحاطة جهنم بهم "و نقول" نحن إله الكل مالك الدنيا والآخرة.
وقرىء بالياء أي يقول لهم الرب العظيم في ذلك اليوم "ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" ٥٥ من القبح في دنياكم، ويضاهي هذه الآية الآية ١٦ من سورة الزمر المارة والآية ٤١ من الأعراف في ج ١.
مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع :
قال تعالى "يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ"
فاتركوا الأرض التي أنتم فيها مضطهدون وفروا بدينكم إلى غيرها، فإن الأرض غير ضيقة عليكم، "فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ"
٥٦ أخلصوا عبادتكم لي في أرضي لا يمنعكم فيها أحد من إقامة شعائرها، نزلت هذه الآية في إباحة الهجرة صيانة للدين، ولا تختص بزمنه
صلّى اللّه عليه وسلم احتجاجا بخبر لا هجرة بعد الفتح، بل هي عامة مطلقة، حكمها باق إلى الأبد، فبمقتضاها يجب على كل من كان في بلدة يتجاهر فيها بالمعاصي ولا يقدر على المنع ولا على إقامة دينه وإظهار شعائره كما ينبغي، أن يهاجر إلى غيرها من البلاد التي يتهيأ له فيها ذلك كله، لأنه إذا لم يكن آمنا على دينه لا يتمكن من إقامته فهو آثم، لذلك عليه أن يهاجر إلى بلد يكون فيه أسلم قلبا وأصحّ دينا وأكثر عبادة وأحسن رفاقة.


الصفحة التالية
Icon