التاسعة هجرة كل ما نهى اللّه عنه، فلا يحل لمسلم أن يقرب شيئا حرمه اللّه أو ينهى عن شيء أحلّه، لما جاء في الحديث الشريف المار آنفا من أن الهجرة إذا كانت للّه ورسوله يثاب عليها، وفيها الأجر العظيم والخير الجزيل والرضاء من اللّه ورسوله، وإذا كانت على العكس فلا ثواب فيها، ولا تسمى هجرة شرعية، كمن ذهب للحج بقصد التجارة فقط، وكذلك من جاهد لأجل الغنيمة، ومن تزوج بقصد الولد، أي من قصد الحج والتجارة معا وإعلاء كلمة اللّه والغنيمة وكسر شهوة النفس وحفظها من الحرام مع الولد، فاللّه أكرم من أن لا يثيبه، قال صلّى اللّه عليه وسلم ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا، وإنما خيركم من أخذ من هذه وهذه.
وروى ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنّه قال : أيها الناس ليس من شيء يقاربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم من النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي [بضم الراء القلب والعقل، وبفتحها الخوف، قال تعالى (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) الآية ٧٥ من سورة هود المارة، والمراد هنا الأول ] أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب، لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي اللّه عز وجل، فإنه لا يدرك ما عند اللّه إلا بطاعته.
وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لو أنكم تتوكلون على اللّه حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.
أي تذهب أول النهار صباحا ضامرة البطون وترجع آخره شباعا ممتلئتها، ولا تدخر شيئا لغد.
هذا ما جاء في أمر الهجرة، وسنتم قصّتها بعد تفسير المطففين الآتية إن شاء اللّه، لأنها وقعت بعدها.