ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض ; ثم يوحد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة محمد ( ﷺ ) فكلها من عند الله. وكلها دعوة واحدة إلى الله. ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له ; وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون. ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. ويتناقضون في منطقهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله !).. (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله !).. (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين).. ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله ويفتنون المؤمنين.
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة، غير خائفين من الموت، إذ (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون). غير خائفين من فوات الرزق: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم..
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).. فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل.
ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور الواحد في ثلاثة أشواط:
الشوط الأول يتناول حقيقة الإيمان، وسنة الابتلاء والفتنة، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين. ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئا يوم القيامة: (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون)..
والشوط الثاني يتناول القصص الذي أشرنا إليه، وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة، والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله. ويتحدث عن الحق الكامن في دعوة الرسل، وهو ذاته الحق الكامن في خلق السماوات والأرض. وكله من عند الله.


الصفحة التالية
Icon