وإتيانه كناية عن إتيان ما فيه من الخير العظيم لأهل الخير، والشر الجسيم لأهل الشر، ألا فلينتظر المحسنون ثواب أعمالهم والمسيئون عقابها "وَهُوَ السَّمِيعُ" لأقوال عباده سرّها وجهرها "الْعَلِيمُ" ٥ بنياتهم طيبها وخبيثها، ثم طفق جل شأنه يعرض بالجهاد ويرغب فيه لقرب أوانه، لأنه تعالى سيأذن لحبيبه في هذه السورة بالهجرة التي هي مقدماته، فقال عز قوله "وَمَنْ جاهَدَ" منكم أيها الناس أعداء اللّه الكافرين أعداءكم لإعلاء كلمة اللّه وتخليص عباده من الذل ومن رق الكفار، وأنقذهم من أذاهم المرعق، وصبر نفسه على قتالهم، وصدق ربه بما آتاه من قوة بدنية ومالية "فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ" لأنها هي التي تحظى بعظيم ثوابه لتلك الغايات الشريفة، فمن زهد بنفسه لأجل اللّه فيكون جزاؤه ومكادنه عليه، وناهيك به مجاز يعطي على القليل الكثير، وعلى العظيم أعظم منه "إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ" ٦ وإيمانهم وجهادهم ولو شاء لما أحاجهم إلى الجهاد، ولكن أمرهم به لمنفعة أنفسهم وليظهر لخلقه من منهم الطائع له أزلا والعاصي كما هو مدون في لوحه ولما يعود عليهم بسببه من الخير العميم والفضل الجسيم، قال تعالى "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ" التي أعظمها الجهاد في سبيل اللّه في زمنه ووقت الحاجة الماسة إليه، وإلا فتوحيد اللّه أعظم منه وسد عرز المحتاج الذي لا يقوم به أحد أفضل أيضا "لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ" في الآخرة ولنبدلنها حسنات بسبب ما ضحوه من الأعمال الطيبة لإيمانهم "وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ" ٧ مر مثلها في الآية ٩٧ من سورة النحل المارة.
مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة :