وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإيمان عن عزة قال : قلت لابن عباس رضي اللّه عنهما أي العمل أفضل ؟ قال ذكر اللّه أكبر، وما قعد قوم في
بيت من بيوت اللّه تعالى يدرسون كتاب اللّه ويتعاطونه بينهم إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها وكانوا أضياف اللّه تعالى ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره، وما سلك رجل طريقاجل قوله "وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ" من اليهود والنصارى إذ لا يوجد غيرهما أهل كتاب، وما عداهما وثنيون مشركون كافرون بأصول الأديان، لأن ذوي الأدبان التي كانت عند بعثة الرسول ستة : الإسلام والنصرانية واليهودية والصابئة والمجوس والمشركون، راجع الآية ١٦ من سورة الحج في ج ٣، الخطاب لحضرة الرسول وأصحابه تبعا له أي أنكم قادمون بهجرتكم هذه إلى بلدة فيها أهل كتاب مجبولون على حب الجدال لما وقر عندهم مما في الكتب المنزلة على أنبيائهم، ويزعمون أنهم أدرى من غيرهم فيها، فإذا جاءوك ليجادلوك فقابل خشونتهم بلينك، وغلاظتهم بلطفك، وجفاهم بعطفك، وأمسك بادرة الغضب بجبال الكظم، واجعل إقبالك عليهم بدل صدهم عنك، ووصلك بمقابل هجرهم إياك، وعطاءك تجاه منعهم لك، وتقرب منهم كلما تباعدوا عنك.
وهذا معنى قوله تعالى "إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" قال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية ٣٤ من سورة فصلت المارة، أي لا تجادلهم إلا في هذه الصورة، وادفع مشاغبتهم بالنصح، وسورتهم بالإناءة، ولغطهم بالإرشاد راجع الآية ١٢٥ من سورة النحل المارة، واعمل بما بيناه هناك وعضّ عليه بالنواجذ ثم استثنى من المجادلين نوعا خاصا وهم المذكورون بقوله "إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" وهم المجاوزون الحدّ في العناد والاعتداء الذين لم يلتفتوا إلى النصح، ولم ينفع