﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ [ الملك : ١٤ ] ولكن هي سنة في عباده ليظهر لبعضهم من بعض عند الفتنة والابتلاء ما لم يكن ليظهر قبل ذلك حتى يشهدوا على أنفسهم، وتقوم الحجة عليهم باعترافهم، ولا افتقار به تعالى إلى شيء من ذلك، فلما تضمنت سورة القصص هذا الابتلاء في الخير والشر، وبه وقه افتتاحها واختتامها، هذا وقد أنجز بحكم الإشارة أولاً خروج نبينا ـ ﷺ ـ من بلده ومنشأه ليأخذه عليه الصلاة ولاسلام بأوفر حظ مما ابتلي به الرسل والأنبياء من مفارقة الوطن وما يحرز لهم الأجر المناسب لعليّ درجاتهم عليهم السلام، ثم بشارته ـ ﷺ ـ آخراً بالعودة والظفر ﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ [ القصص : ٨٥ ] فأعقب سبحانه هذا بقوله معلماً للعباد ومنبهاً أنها سنته فيهم فقال ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ أي أحسبوا أن يقع الاكتفاء بمجرد استجابتهم، وظاهر إنابتهم، ولما يقع امتحانهم بالشدائد والمشقات، وضروب الاختبارات ﴿ولنبلونكم بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات﴾ [ البقرة : ١٥٥ ] فإذا وقع الابتلاء فمن فريق يتلقون ذلك تلقي العليم أن ذلك من عند الله ابتلاء واختباراً، فيكون تسخيراً لهم وتخليصاً، ومن فريق يقابلون ذلك بمرضاة الشيطان، والمسارعة إلى الكفر والخذلان ﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه﴾ ثم أتبع سبحانه هذا بذكر حال بعض الناس ممن يدعي الإيمان، فإذا أصابه أدنى أذى من الكفار صرفه ذلك عن إيمانه، فكان عنده مقاوماً بعذاب الله الصارف لمن ضربه عن الكفر والمخالفة فقال تعالى ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله﴾ فكيف حال هؤلاء في تلقي ما هو أعظم من الفتنة، وأشد في المحنة، ثم أتبع سبحانه ذلك بما به يتأسى الموفق من صبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وطول مكايدتهم من قومهم، فذكر نوحاً


الصفحة التالية