الأمر الثالث : هو أن الإيمان يستر قبح الذنوب في الدنيا فيستر الله عيوبه في الأخرى، والعمل الصالح يحسن حال الصالح في الدنيا فيجزيه الله الجزاء الأحسن في العقبى، فالإيمان إذن لا يبطله العصيان بل هو يغلب المعاصي ويسترها ويحمل صاحبها على الندم، والله أعلم.
المسألة الثامنة :
قوله :﴿لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ﴾ يستدعي وجود السيئات حتى تكفر ﴿والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ بأسرها من أين يكون لهم سيئة ؟ فنقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن وعد الجميع بأشياء لا يستدعي وعد كل واحد بكل واحد من تلك الأشياء، مثاله : إذا قال الملك لأهل بلد إذا أطعتموني أكرم آباءكم واحترم أبناءكم وأنعم عليكم وأحسن إليكم، لا يقتضي هذا أنه يكرم آباء من توفى أبوه، أو يحترم ابن من لم يولد له ولد، بل مفهومه أنه يكرم أب من له أب، ويحترم ابن من له ابن، فكذلك يكفر سيئة من له سيئة الجواب الثاني : ما من مكلف إلا وله سيئة أما غير الأنبياء فظاهر، وأما الأنبياء فلأن ترك الأفضل منهم كالسيئة من غيرهم، ولهذا قال تعالى :
﴿عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ [ التوبة : ٤٣ ].
المسألة التاسعة :
قوله :﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : لنجزينهم بأحسن أعمالهم وثانيهما : لنجزينهم أحسن من أعمالهم.
وعلى الوجه الأول معناه نقدر أعمالهم أحسن ما تكون ونجزيهم عليها لا أنه يختار منها أحسنها ويجزي عليه ويترك الباقي، وعلى الوجه الثاني : معناه قريب من معنى قوله تعالى :﴿مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] وقوله :﴿فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا﴾ [ النمل : ٨٩ ].
المسألة العاشرة :
ذكر حال المسيء مجملاً بقوله :﴿أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا﴾ إشارة إلى التعذيب مجملاً.


الصفحة التالية
Icon