وأما قوله تعالى :﴿إِنَّا أنزلناه﴾ فنقول هذا ليس وارداً على مشغول القلب بشيء غيره بدليل أنه ذكر الكناية فيها وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم وقوله :﴿إِنَّا أنزلناه﴾ الهاء راجع إلى معلوم عند النبي ﷺ فكان متنبهاً له فلم ينبه، واعلم أن التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها كما في قوله تعالى :﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عَظِيمٌ﴾ [ الحج : ١ ] وقوله ﴿يا أيها النبى اتق الله﴾ [ الأحزاب : ١ ] ﴿يا أيها النبى لِمَ تُحَرّمُ﴾ [ التحريم : ١ ] لأنها أشياء هائلة عظيمة، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها تنبيهاً، وأما هذه السورة افتتحت بالحروف وليس فيها الابتداء بالكتاب والقرآن، وذلك لأن القرآن ثقله وعبئه بما فيه من التكاليف والمعاني، وهذه السورة فيها ذكر جميع التكاليف حيث قال :﴿أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا﴾ يعني لا يتركون بمجرد ذلك بل يؤمرون بأنواع من التكاليف فوجد المعنى الذي في السور التي فيها ذكر القرآن المشتمل على الأوامر والنواهي فإن قيل مثل هذا الكلام، وفي معناه ورد في سورة التوبة وهو قوله تعالى :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ﴾ [ التوبة : ١٦ ] ولم يقدم عليه حروف التهجي فنقول الجواب عنه في غاية الظهور، وهو أن هذا ابتداء كلام، ولهذا وقع الاستفهام بالهمزة فقال ﴿أَحَسِبَ﴾ وذلك وسط كلام بدليل وقوع الاستفهام بأم والتنبيه يكون في أول الكلام لا في أثنائه، وأما ﴿الم * غُلِبَتِ الروم﴾ [ الروم : ١، ٢ ] فسيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى هذا تمام الكلام في الحروف.
المسألة الثالثة :