قال بعض العلماء الاستثناء في العدد تكلم بالباقي، فإذا قال القائل لفلان علي عشرة إلا ثلاثة، فكأنه قال علي سبعة، إذا علم هذا فقوله :﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ كقوله تسعمائة وخمسين سنة، فما الفائدة في العدول عن هذه العبارة إلى غيرها ؟ فنقول قال الزمخشري فيه فائدتان إحداهما : أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه قد يظن به التقريب فإن من قال : عاش فلان ألف سنة يمكن أن يتوهم أن يقول : ألف سنة تقريباً لا تحقيقاً، فإذا قال إلا شهراً أو إلا سنة يزول ذلك التوهم ويفهم منه التحقيق الثانية : هي أن ذكر لبث نوح عليه السلام في قومه كان لبيان أنه صبر كثيراً فالنبي عليه السلام أولى بالصبر مع قصر مدة دعائه وإذا كان كذلك فذكر العدد الذي في أعلى مراتب الأعداد التي لها اسم مفرد موضوع، فإن مراتب الأعداء هي الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف، ثم بعد ذلك يكون التكثير بالتكرير فيقال عشرة آلاف، ومائة ألف، وألف ألف.
المسألة الثالثة :
قال بعض الأطباء العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة والآية تدل على خلاف قولهم، والعقل يوافقها فإن البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته، وإلا لما بقي، ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن لأن المؤثر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام وإن كان غيره فله مؤثر، وينتهي إلى الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً فإذن البقاء ممكن في ذاته، فإن لم يكن فلعارض لكن العارض ممكن العدم وإلا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع فظهر أن كلامهم على خلاف العقل والنقل ( ثم نقول ) لا نزاع بيننا وبينهم لأنهم يقولون العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين سنة ونحن نقول هذا العمر ليس طبيعياً بل هو عطاء إلهي، وأما العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة، فضلاً عن مائة أو أكثر.