وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ ولقد أرسَلْنا نوحاً إِلى قومه ﴾
في هذه القصة تسلية للنبي ﷺ حيث أُعلم أن الأنبياء قد ابتُلوا قبلَه، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشّرك، فانهم وإِن أُمهلوا، فقد أُمهل قوم نوح أكثر ثم أُخذوا.
قوله تعالى :﴿ فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إِلاَّ خمسينَ عاماً ﴾ اختلفوا في عُمُر نوح على خمسة أقوال.
أحدها : بُعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إِلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثاني : أنَّه لبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، وعاش بعد ذلك سبعين عاماً، فكان مبلغ عُمُره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.
والثالث : أنهُ بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد.
والرابع : أنَّه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، [ ودعاهم ثلاثمائة سنة ] ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة.
وقال وهب ابن منبِّه : بُعث لخمسين سنة.
والخامس : أنَّ هذه الآية بيَّنت مقدار عُمُره كلِّه، حكاه الماوردي.
فإن قيل : ما فائدة قوله ﴿ إِلاَّ خمسينَ عاماً ﴾، فهلاَّ قال : تسعمائة وخمسين!
فالجواب : أنَّ المراد به تكثير العدد، وذِكْر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد.
قال الزجاج : تأويل الاستثناء في كلام العرب : التوكيد، تقول : جاءني إِخوتك إِلا زيداً، فتؤكِّد أَنَّ الجماعة جاؤوا، وتنقص زيداً.
واستثناء نصف الشيء قبيح جداً لا تتكلَّم به العرب، وإِنما تتكلَّم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول : عندي درهم ينقُص قيراطاً، فلو قلت : ينقُص نصفه، كان الأَولى أن تقول : عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إِلاَّ قليل من كثير.
قوله تعالى :﴿ فأخذَهم الطُّوفان ﴾ فيه ثلاثة أقوال.


الصفحة التالية
Icon