أبرز اسم الله في الآية الأولى عند البدء حيث قال :﴿كَيْفَ يُبْدِىء الله﴾ وأضمره عند الإعادة وفي هذه الآية أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة حيث قال :﴿ثُمَّ الله يُنشِىء﴾ لأن في الآية الأولى لم يسبق ذكر الله بفعل حتى يسند إليه البدء فقال :﴿كَيْفَ يُبْدِىء الله﴾ ثم قال :﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ كما يقول القائل ضرب زيد عمراً ثم ضرب بكراً ولا يحتاج إلى إظهار اسم زيد اكتفاء بالأول، وفي الآية الثانية كان ذكر البدء مسنداً إلى الله فاكتفى به ولم يبرزه كقوله القائل أما علمت كيف خرج زيد، اسمع مني كيف خرج، ولا يظهر اسم زيد، وأما إظهاره عند الإنشاء ثانياً حيث قال :﴿ثُمَّ الله يُنشِىء﴾ مع أنه كان يكفي أن يقول : ثم ينشيء النشأة الآخرة، فلحكمة بالغة وهي ما ذكرنا أن مع إقامة البرهان على إمكان الإعادة أظهر اسماً من يفهم المسمى به بصفات كماله ونعوت جلاله يقطع بجواز الإعادة فقال الله مظهراً مبرزاً ليقع في ذهن الإنسان من اسمه كمال قدرته وشمول علمه ونفوذ إرادته ويعترف بوقوع بدئه وجواز إعادته، فإن قيل فلم لم يقل ثم الله يعيده لعين ما ذكرت من الحكمة والفائدة ؟ نقول لوجهين أحدهما : أن الله كان مظهراً مبرزاً بقرب منه وهو في قوله :﴿كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق﴾ ولم يكن بينهما إلا لفظ الخلق وأما ههنا فلم يكن مذكوراً عند البدء فأظهره وثانيهما : أن الدليل ههنا تم على جواز الإعادة لأن الدلائل منحصرة في الآفاق وفي الأنفس، كما قال تعالى :
﴿سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الأفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] وفي الآية الأولى أشار إلى الدليل النفسي الحاصل لهذا الإنسان من نفسه، وفي الآية الثانية أشار إلى الدليل الحاصل من الآفاق بقوله :﴿قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض﴾ وعندهما تم الدليلان، فأكده بإظهار اسمه، وأما الدليل الأول فأكده بالدليل الثاني، فلم يقل ثم الله يعيده.
المسألة الرابعة :