أما إبراهيم فلما سمع قوله الملائكة ﴿إنا مهلكوا﴾ أظهر الإشفاق على لوط ونسي نفسه وما بشروه ولم يظهر بها فرحاً، وقال :﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ] ثم إن الملائكة لما رأوا ذلك منه زادوا عليه، وقالوا إنك ذكرت لوطاً وحده ونحن ننجيه وننجي معه أهله، ثم استثنوا من الأهل امرأته، وقالوا :﴿إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ أي من المهلكين، وفي استعمال الغابر في المهلك وجهان، وذلك لأن الغابر لفظ مشترك في الماضي، وفي الباقي يقال فيما غبر من الزمان أي فيما مضى ويقال الفعل ماض وغابر أي باق، وعلى الوجه الأول نقول إن ذكر الظالمين سبق في قولهم :﴿إنَاْ مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين﴾ ثم جرى ذكر لوط بتذكير إبراهيم وجواب الملائكة، فقالت الملائكة إنها من الغابرين أي الماضي ذكرهم لا من الذين ننجي منهم، أو نقول المهلك يفنى ويمضي زمانه والناجي هو الباقي فقالوا إنها من الغابرين أي من الرائحين الماضين لا من الباقين المستمرين، وأما على الوجه الثاني فنقول لما قضى الله على القوم بالإهلاك كان الكل في الهلاك إلا من ننجي منه فقالوا إنا ننجي لوطاً وأهله، وأما امرأته فهي من الباقين في الهلاك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ٥١ ـ ٥٤﴾