أنه تعالى قال من قبل :﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم﴾ [ العنكبوت : ٣١ ] وقال ههنا :﴿وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ فما الحكمة فيه ؟ فنقول حكمة بالغة وهي أن الواقع في وقت المجىء هناك قول الملائكة ﴿إنا مهلكوا﴾ وهو لم يكن متصلاً بمجيئهم لأنهم بشروا أولاً ولبثوا، ثم قالوا : إنا مهلكوا وأيضاً فالتأني واللبث بعد المجىء ثم الإخبار بالإهلاك حسن فإن من جاء ومعه خبر هائل يحسن منه أن لا يفاجىء به، والواقع ههنا هو خوف لوط عليهم، والمؤمن حين ما يشعر بمضرة تصل بريئاً من الجناية ينبغي أن يحزن ويخاف عليه من غير تأخير، إذا علم هذا فقوله ههنا :﴿وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ يفيد الاتصال يعني خاف حين المجىء، فإن قلت هذا باطل بما أن هذه الحكاية جاءت في سورة هود ( ٧٧ )، وقال :﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً﴾ من غير أن، فنقول هناك جاءت حكاية إبراهيم بصيغة أخرى حيث قال هناك :﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى﴾ [ هود : ٦٩ ] فقوله هنالك :﴿وَلَقَدْ جَاءتْ﴾ لا يدل على أن قولهم :﴿أَنَّا أَرْسَلْنَا﴾ كان في وقت المجىء.
وقوله :﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىء بِهِمْ﴾ دل على أن حزنه كان وقت المجىء.
إذا علم هذا فنقول : هناك قد حصل ما ذكرنا من المقصود بقوله في حكاية إبراهيم :﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى ﴾
[ هود : ٦٩ ] ثم جرى أمور من الكلام وتقديم الطعام، ثم قالوا :﴿لاَ تَخَفْ﴾ ولا تحزن ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [ هود : ٧٠ ] فحصل تأخير الإنذار، وبقوله في حكاية لوط ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ حصل بيان تعجيل الحزن، وأما هنا لما قال في قصة إبراهيم ﴿وَلَمَّا جَاءتْ﴾ قال في حكاية لوط ﴿وَلَمَّا أَن جَاءتْ﴾ لما ذكرنا من الفائدة.
المسألة الثانية :