فصل


قال الفخر :
﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ﴾
لما أتى إبراهيم عليه السلام ببيان الأصول الثلاثة وأقام البرهان عليه، بقي الأمر من جانبهم إما الإجابة أو الإتيان بما يصلح أن يكون جوابه فلم يأتوا إلا بقولهم ﴿اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
كيف سمى قولهم ﴿اقتلوه﴾ جواباً مع أنه ليس بجواب ؟ فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أنه خرج منهم مخرج كلام المتكبر كما يقول الملك لرسول خصمه جوابكم السيف، مع أن السيف ليس بجواب، وإنما معناه لا أقابله بالجواب، وإنما أقابله بالسيف فكذلك قالوا لا تجيبوا عن براهينه واقتلوه أو حرقوه الثاني هو أن الله أراد بيان ضلالهم وهو أنهم ذكروا في معرض الجواب هذا مع أنه ليس بجواب، فتبين أنهم لم يكن لهم جواب أصلا وذلك لأن من لا يجيب غيره ويسكت، لا يعلم أنه لا يقدر على الجواب لجواز أن يكون سكوته لعدم الالتفات، أما إذا أجاب بجواب فاسد، علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه.
المسألة الثانية :
القائلون الذين قالوا اقتلوه هم قومه والمأمورون بقولهم اقتلوه أيضاً هم، فيكون الآمر نفس المأمور ؟ فنقول الجواب عنه : من وجهين أحدهما : أن كل واحد منهم قال لمن عداه اقتلوه، فحصل الأمر من كل واحد وصار المأمور كل واحد ولا اتحاد، لأن كل واحد أمر غيره وثانيهما : هو أن الجواب لا يكون إلا من الأكابر والرؤساء، فإذا قال أعيان بلد كلاما يقال اتفق أهل البلدة على هذا ولا يلتفت إلى عدم قول العبيد والأرذال، فكان جواب قومه وهم الرؤساء أن قالوا لأتباعهم وأعوانهم اقتلوه، لأن الجواب لا يباشره إلا الأكابر والقتل لا يباشره إلا الأتباع.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon