قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ [ العنكبوت : ٧ ] أن أثر رحمة الله في أمرين في الأمان من سوء العذاب والامتنان بحسن الثواب وهو واصل إلى المؤمن في الدار الآخرة قطعاً بحكم وعد الله نفي العذاب عنه لنفيه الشرك وإثبات الثواب لإثباته الواحد، ولكن هذا ليس بواجب الحصول في الدنيا، فإن كثيراً ما يكون الكافر في رغد والمؤمن جائع في يومه متفكر في أمر غده لكنهما مطلوبان في الدنيا، أما دفع العذاب العاجل فلأنه ورد في دعاء النبي ﷺ، قوله :" وقنا عذاب الفقر والنار " فعذاب الفقر إشارة إلى دفع العذاب العاجل، وأما الثواب العاجل ففي قوله :﴿رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً﴾ [ البقرة : ٢٠١ ] إذا علم هذا فنقول إن إبراهيم عليه السلام لما أتى ببيان التوحيد أولا دفع الله عنه عذاب الدنيا وهو عذاب النار، ولما أتى به مرة بعد مرة مع إصرار القوم عى التكذيب وإضرارهم به بالتعذيب، أعطاه الجزاء الآخر، وهو الثواب العاجل وعدده عليه بقوله :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ﴾ وفي الآية لطيفة : وهي أن الله بدل جميع أحوال إبراهيم في الدنيا بأضدادها لما أراد القوم تعذيبه بالنار وكان وحيداً فريداً فبدل وحدته بالكثرة حتى ملأ الدنيا من ذريته، ولما كان أولا قومه وأقاربه القريبة ضالين مضلين من جملتهم آزر، بدل الله أقاربه بأقارب مهتدين هادين وهم ذريته الذين جعل الله فيهم النبوة والكتاب، وكان أولا لا جاه له ولا مال وهما غاية اللذة الدنيوية آتاه الله أجره من المال والجاه، فكثر ماله حتى كان له من المواشي ما علم الله عدده، حتى قيل إنه كان له اثنا عشر ألف كلب حارس بأطواق ذهب، وأما الجاه فصار بحيث يقرن الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء إلى يوم القيامة، فصار معروفاً بشيخ المرسلين بعد أن كان خاملاً، حتى قال