مثل الله اتخاذهم الأوثان أولياء باتخاذ العنكبوت نسجه بيتاً ولم يمثله بنسجه وذلك لوجهين أحدهما : أن نسجه فيه فائدة له، لولاه لما حصل وهو اصطيادها الذباب به من غير أن يفوته ما هو أعظم منه، واتخاذهم الأوثان وإن كان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا، لكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة التي هي خير وأبقى فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت الوجه الثاني : هو أن نسجه مفيد لكن اتخاذها ذلك بيتاً أمر باطل فكذلك هم لو اتخذوا الأوثان دلائل على وجود الله وصفات كماله وبراهين على نعوت إكرامه وأوصاف جلاله لكان حكمة، لكنهم اتخذوها أولياء كجعل العنكبوت النسج بيتاً وكلاهما باطل.
المسألة الثالثة :
كما أن هذا المثل صحح في الأول فهو صحيح في الآخر، فإن بيت العنكبوت إذا هبت ريح لا يرى منه عين ولا أثر بل يصير هباءً منثوراً، فكذلك أعمالهم للأوثان كما قال تعالى :﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً﴾ [ الفرقان : ٢٣ ].
المسألة الرابعة :
قال :﴿مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء﴾ ولم يقل آلهة إشارة إلى إبطال الشرك الخفي أيضاً، فإن من عبد الله رياء لغيره فقد اتخذ ولياً غيره فمثله مثل العنكبوت يتخذ نسجه بيتاً.
ثم إنه تعالى قال :﴿وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ﴾.
إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يخرب بأدنى شيء ولا يبقى منه عين ولا أثر فكذلك عملهم لو كانوا يعلمون.
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢)


الصفحة التالية
Icon